فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {ص والقرءان} قرأ الحسن: صاد بالكسر.
وجعلها من المصادات.
يقول عارض القرآن: أي عارض عملك بالقرآن.
ويقال: بقلبك.
وروى معمر، عن قتادة، في قوله: {ص} قال: هو كما تقول تلق كذا أي: هيىء نفسك لقدوم فلان.
يعني: طهر نفسك بآداب القرآن كما قال صلى الله عليه وسلم: «القُرْآنُ مَأْدُبَةُ الله تَعَالَى فَتَطَّعمُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ» وكان عيسى ابن مريم يعمر، يقرأ صَادَ بالنصب، وكذلك يقرأ قاف، ونون بالنصب.
ومعناه: اقرأ صاد، وقراءة العامة بسكون الدال، لأنها حروف هجاء، فلا يدخلها الإعراب، وتقديرها الوقف عليها.
وقيل: في تفسير قول الله تعالى: {ص} يعني: الله هو الصادق.
ويقال: هو قسم.
{والقرءان} عطف عليه قسم بعد قسم.
ومعناه أقسمت بصاد، وبالقرآن.
وقال علي بن أبي طالب: الصاد اسم بحر في السماء.
وقال ابن مسعود في قوله: {ص والقرءان} يعني: صادقوا القرآن حتى تعرفوا الحق من الباطل.
وقال الضحاك: معناه صدق الله.
ثم قال: {ص والقرءان ذِى} يعني: والقرآن ذي الشرف.
ويقال: فيه ذكر من كان قبله، وجواب القسم عند قوله: {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النار} [ص: 64] والجواب قد يكون مؤخرًا عن الكلام كما قال: {والفجر وَلَيالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1، 2] وجوابه قوله: {إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد} [الفجر: 14] وقوله: {والسماء ذَاتِ البروج} [البروج: 1] وجوابه قوله: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [البروج: 12] وقال بعضهم: جواب القسم هاهنا {كَمْ أَهْلَكْنَا} ومعناه: لكم أهلكنا، فلما طال الكلام حذف اللام.
ثم قال: {بَلِ الذين كَفَرُواْ في عِزَّةٍ} أي: في حمية.
كقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتق الله أَخَذَتْهُ العزة بالإثم فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ المهاد} [البقرة: 206] يعني: الحمية.
ويقال: {فِى عِزَّةٍ} يعني: في تكبر {وَشِقَاقٍ} يعني: في خلاف من الدين بعيد.
ويقال: في عداوة، ومباعدة، وتكذيب.
وقال القتبي: بل في اللغة على وجهين أحدهما لتدارك كلام غلطت فيه.
تقول: رأيت زيدًا بل عمرًا.
والثاني أن يكون لترك شيء، وأخذ غيره من الكلام كقوله: {بَلِ الذين كَفَرُواْ في عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ}.
ثم خوّفهم فقال عز وجل: {كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ} يعني: من أمة {فَنَادَوْاْ} يعني: فنادوا في الدنيا، واستغاثوا {وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ} يعني: وليس تحين فرار.
قال الكلبي: فكانوا إذا قاتلوا، قال بعضهم لبعض: {مَنَاصٍ} يعني: يقول احمل حملة واحدة، فينجو من نجا، ويهلك من هلك.
فلما أتاهم العذاب قالوا: {مَنَاصٍ} مثل ما كانوا يقولون.
فقال الله تعالى: ليس تحين فرار وهي لغة اليمن.
وقال القتبي: النوص التأخر.
والبوص التقدم في كلام العرب.
وروى معمر عن قتادة في قوله: {فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ} قال: نادوا على غير حين النداء.
وقال عكرمة: نادوا وليس تحين انفلات.
وقال أبو عبيدة: اختلفوا في الوقف.
فقال بعضهم: يوقف عند قوله: {وَّلاَتَ} ثم يبتدأ ب {حِينَ مَنَاصٍ} لأنا لا نجد في شيء من كلام العرب ولات.
أما المعروف لا ولأنَّ تفسير ابن عباس يشهد لها، وذلك أنه قال: ليس تحين فرار.
وليس هي أخت لا ولا بمعناها.
قال أبو عبيد ومع هذا تعمدت النظر في الذي يقال له: مصحف الإمام.
وهو مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه فوجدت التاء متصلة مع حين.
ثم قال عز وجل: {وَعَجِبُواْ أَن جَاءهُم مٌّنذِرٌ مّنْهُمْ} يعني: مخوف منهم، ورسول منهم يعني: من العرب وهو محمد صلى الله عليه وسلم {وَقَالَ الكافرون هذا ساحر كَذَّابٌ} يكذب على الله تعالى أنه رسوله {أَجَعَلَ الالهة إلها واحدا} يعني: كيف يتسع لحاجتنا إله واحد {إِنَّ هذا لَشَىْء عُجَابٌ} يعني: لأمر عجيب.
والعرب تحول فعيلًا إلى فعال.
وهاهنا أصله شيء عجيب.
كما قال في سورة ق {أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ الله إِنَّنِى لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} [ق: 2] {وانطلق الملأ مِنْهُمْ} قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: أخبرنا الثقة بإسناده عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما مرض أبو طالب، دخل عليه نفر من قريش، فقالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيك يشتم آلهتنا، ويقول ويقول، ويفعل ويفعل، فأرسل إليه، فانهه عن ذلك، فأرسل إليه أبو طالب، وكان إلى جنب أبي طالب موضع رجل، فخشي أبو جهل إن جاء النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إلى جنب عمه، أن يكون أرق له عليه.
فوثب أبو جهل، فجلس في ذلك المجلس، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم لم يجد مجلسًا إلا عند الباب.
فلما دخل، قال له أبو طالب: يا ابن أخي إن قومك يشكونك، ويزعمون أنك تشتم آلهتهم، وتقول وتقول، وتفعل وتفعل فقال: «يَا عَمُّ إِنِّي إِنَّمَا أُرِيدُ مِنْهُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً، تُدِينُ لَهُمْ بِهَا العَرَبُ، وَتُؤَدِي إليهِم بِهَا العَرَبُ والعَجَمُ الجِزْيَةَ» فقالوا: وما هي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لاَ إله إلاَّ الله فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم، ويقولون: {أَجَعَلَ الالهة إلها واحدا إِنَّ هذا لَشَىْء عُجَابٌ وانطلق الملأ مِنْهُمْ} يعني: الأشراف من قريش {أَنِ امشوا} يعني: امكثوا {واصبروا} يعني: اثبتوا {على ءالِهَتِكُمْ} يعني: على عبادة آلهتكم {إِنَّ هذا لَشَىْء يُرَادُ} يعني: لأمر يراد كونه بأهل الأرض.
ويقال: إن هذا لشيء يراد.
يعني: لا يكون ولا يتم له {مَّا سَمِعْنَا بهذا في الملة الآخرة} يعني: في اليهود والنصارى {إِنْ هذا إِلاَّ اختلاق} يعني: يختلقه من قبل نفسه.
ويقال: في قوله: {إِنَّ هذا لَشَىْء يُرَادُ} يعني: أراد أن يكون.
ثم قال عز وجل: {عَلَيْهِ الذكر مِن بَيْنِنَا بْل} يعني: أخصّ بالنبوة من بيننا.
يقول الله عز وجل: {بْل هُمْ في شَكّ مّن ذِكْرِى} يعني: في ريب من القرآن والتوحيد {بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ} أي: لم يذوقوا عذابي كقوله: {قَالَتِ الأعراب ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ ولكن قولوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الايمان في قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أعمالكم شَيْئًا إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات: 14] أي: لم يدخل فهذا تهديد لهم، أي: سيذوقوا عذابي.
ثم قال: {أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبّكَ} يعني: مفاتيح رحمة ربك.
يعني: مفاتيح النبوة بأيديهم، ليس ذلك بأيديهم، وإنما ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء {العزيز الوهاب} يعني: بيد الله {العزيز} في ملكه {الوهاب} لمن يشاء.
بل الله يختار من يشاء للوحي، فيوحي الله عز وجل وهي الرسالة لمن يشاء {وَمَا بَيَنَهُمَا فَلْيَرْتَقُواْ في الاسباب} يعني: إن لم يرضوا بما فعل الله تعالى، فليتكلفوا الصعود إلى السماء.
وقال القتبي: أسباب السماء أي: أبواب السماء، كما قال القائل.
ولو نال أسباب السماء بسلم.
قال: ويكون أيضًا {فَلْيَرْتَقُواْ في الاسباب} يعني: في الجبال إلى السماء كما سألوك أن ترقى إلى السماء، فتأتيهم بآية، وهذا كله تهديد، وتوبيخ بالعجز.
ثم قال عز وجل: {جُندٌ مَّا هُنَالِكَ} يعني: جند عند ذلك، وما زائدة.
يعني: حين أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم {مَهْزُومٌ} يعني: مغلوب {مّن الاحزاب} يعني: من الكفار.
وقال مقاتل: فأخبر الله تعالى بهزيمتهم ببدر.
وقال الكلبي: يعني عند ذلك إن أرادوه {مَهْزُومٌ} مغلوب.
ثم قال عز وجل: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} يعني: من قبل أهل مكة {قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو الاوتاد} يعني: ذو ملك ثابت، شديد دائم ويقال: ذو بناء محكم.
ويقال: يعني: في عز ثابت.
والعرب تقول: فلان في عز ثابت الأوتاد.
يريدون دائم شديد، وأصل هذا أن بيوت العرب تثبت بأوتاد.
ويقال: هي أوتاد كانت لفرعون يعذب بها، وكان إذا غضب على أحد شدّه بأربعة أوتاد.
ثم قال: {وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وأصحاب لئَيْكَةِ} يعني: الغيضة وهم قوم شعيب عليه السلام {أُوْلَئِكَ الاحزاب} يعني: الكفار، سموا أحزابًا لأنهم تحزبوا على أنبيائهم.
أي: تجمعوا، وأخبر في الابتداء أن مشركي قريش، حزب من هؤلاء الأحزاب {إِن كُلٌّ} يعني: ما كل {إِلاَّ كَذَّبَ الرسل فَحَقَّ عِقَابِ} يعني: وجب عذابي عليهم.
قوله عز وجل: {وَمَا يَنظُرُ هَؤُلاء} يعني: قومك {إِلاَّ صَيْحَةً واحدة} يعني: النفخة الأولى {مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ} يعني: من نظرة، ومن رجعة.
قرأ حمزة والكسائي {فَوَاقٍ} بضم الفاء.
وقرأ الباقون: بالنصب.
ومعناهما واحد.
يسمى ما بين حلبتي الناقة {فَوَاقٍ} لأن اللبن يعود إلى الضرع.
وكذلك إفاقة المريض يعني: يرجع إلى الصحة.
فقال: {مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ} يعني: من رجوع.
وقال أبو عبيدة: من فتحها أراد ما لها من راحة ولا إفاقة يذهب بها إلى إفاقة المريض، ومن ضمها جعلها من فواق الناقة، وهو ما بين الحلبتين، يعني: ما لها من انتظار.
وقال القتبي: الفُواق والفَواق واحد، وهو ما بين الحلبتين.
ثم قال تعالى: {وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجّل لَّنَا قِطَّنَا} قال ابن عباس وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقريش: «مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِالله أُعْطِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ» فقالوا: {رَبَّنَا عَجّل لَّنَا قِطَّنَا} يعني: صحيفتنا، وكتابنا في الدنيا {قَبْلَ يَوْمِ الحساب} والقط في اللغة الصحيفة المكتوبة.
ويقال: لما نزل قوله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كتابه بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقرؤا كتابيه} [الحاقة: 19] فقالوا {رَبَّنَا عَجّل لَّنَا} هذا الكتاب {قَبْلَ يَوْمِ الحساب} استهزاء.
ثم عزّى نبيه صلى الله عليه وسلم فقال عز وجل: {اصبر على مَا يَقُولُونَ} من التكذيب {واذكر عَبْدَنَا دَاودُ ذَا الايد} يعني: ذا القوة على العبادة {إِنَّهُ أَوَّابٌ} يعني: مقبل على طاعة الله عز وجل.
وقال مقاتل: {أَوَّابٌ} يعني: مطيع.
قوله عز وجل: {إِنَّا سَخَّرْنَا الجبال مَعَهُ} يعني: ذلّلنا الجبال {يُسَبّحْنَ} مع داود عليه السلام {بالعشى والإشراق} يعني: في آخر النهار، وأوله.
وروى طاوس أن ابن عباس قال لأصحابه: هل تجدون صلاة الضحى في القرآن؟ قالوا: لا.
قال: بلى.
قوله: {يُسَبّحْنَ بالعشى والإشراق} كانت صلاة الضحى يصليها داود عليه السلام.
ثم قال عز وجل: {والطير مَحْشُورَةً} يعني: مجموعة {كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ} يعني: مطيع.
وقال عمرو بن شرحبيل: الأواب بلغة الحبشة المسيح.
وقال الكلبي: المقبل على طاعة الله تعالى.
قوله عز وجل: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} يعني: قوّينا حراسه.
قال مقاتل والكلبي: كان يحرسه كل ليلة ثلاثة وثلاثون ألف رجل.
ويقال: قوينا ملكه، وأثبتناه، وحفظناه عليه.
وروي في الخبر أن غلامًا استعدى على رجل، وادعى عليه.
بقرًا فأنكر المدعى عليه، وقد كان لطمه لطمة حين ادعى عليه، فسأل داود من الغلام البينة، فلم يقمها، فرأى داود في منامه أن الله عز وجل يأمره أن يقتل المدعى عليه، ويسلم البقر إلى الغلام.
فقال داود: هو منام ثم أتاه الوحي بذلك، فأخبر بذلك بنو إسرائيل، فجزعت بنو إسرائيل وقالوا: رجل لطم غلامًا لطمة فقتله بذلك.
فقال داود عليه السلام: هذا أمر الله تعالى به، فسكتوا.
ثم أحضر الرجل فأخبره أن الله تعالى أمره بقتله.
فقال الرجل: صدقت يا نبي الله: إني قتلت أباه غيلة، وأخذت البقر، فقتله داود، فعظمت هيبته، وشدد ملكه.
فلما رأى الناس ذلك جلّ أمره في أعينهم، وقالوا: إنه يقضي بوحي الله تعالى، ثم إن الله تعالى أرخى سلسلة من السماء، وأمره بأن يقضي بها بين الناس، فمن كان على الحق يأخذ السلسلة، ومن كان ظالمًا لا يقدر على أخذ السلسلة.